في طنجة الساحرة، حيث تتشابك المصالح والأسرار، تهتز المدينة بجريمة قتل تاجر ثري. يواجه المحقق حميد لغزًا معقدًا يكشف عن خيانة عميقة وأطماع قاتلة، ليطارده ظل الخائن في أزقة المدينة المتعرجة حتى كشف الحقيقة المرة.
تستيقظ طنجة كل يوم على همسات البحر وأصوات الباعة، لكن في هذا الصباح، خيم صمت ثقيل على المدينة بعد جريمة مروعة هزت أركانها. في مكتب فخم يطل على خليج الأحلام، وجد التاجر أمين القادري مقتولًا، لتنطلق رحلة بحث مضنية يقودها المحقق حميد في دهاليز الخيانة والأسرار الدفينة، حيث يتوارى القاتل في ظل المدينة العتيقة.
جريمة تهز طنجة: مقتل التاجر الثري في مكتبه
في قلب مدينة طنجة الساحرة والمليئة بالتناقضات، حيث تتشابك حداثة الواجهات البحرية اللامعة مع عراقة الأزقة الضيقة المتعرجة في المدينة القديمة، وحيث تتعالى أصوات الباعة المتجولين وهم يعرضون بضائعهم الملونة والزاخرة بالتوابل والأقمشة، وتتداخل هذه الأصوات مع هدير الأمواج المتكسرة برفق على شواطئها الذهبية التي تحتضن أسرارًا دفينة، اهتزت أركان المدينة الهادئة عادة بجريمة قتل غامضة هزت أوساطها الثرية والمترابطة. الضحية هو "السيد أمين القادري"، تاجر ثري مرموق تجاوزت سمعته حدود المدينة بفضل شبكة علاقاته الواسعة التي امتدت إلى أبعد من مضيق جبل طارق ونفوذه الكبير الذي كان يتردد صداه في أروقة السلطة المحلية والإقليمية، وجد مقتولًا بوحشية في مكتبه الفخم الذي يقع في الطابق العلوي من بناية أنيقة تطل على خليج طنجة الساحر، ورصاصة غادرة أطلقت من مسدس كاتم للصوت اخترقت صدره لتنهي حياته تاركة وراءها سلسلة من علامات الاستفهام ودهشة عارمة في أوساط المجتمع.
المحقق حميد يصل إلى مسرح الجريمة: نظرة فاحصة على الأدلة
استدعي على الفور المحقق القدير "حميد بناني"، الضابط الذكي ذو الملامح الهادئة والعيون الثاقبة التي تخفي وراءها سنوات طويلة من الخبرة في خدمة القانون، والذي اشتهر بقدرته الفائقة على فك ألغاز أعقد وأكثر القضايا تشابكًا في المدينة. وصل حميد إلى مسرح الجريمة ليجد المكان يعج بضباط الشرطة الذين يقومون بتطويق المنطقة بحذر، وفريق الأدلة الجنائية الذي يعمل بتركيز شديد لجمع أي خيط رفيع أو دليل مادي قد يقودهم إلى هوية القاتل المختبئ في الظلال والذي نفذ جريمته بدم بارد. تفحص حميد مسرح الجريمة بعين خبيرة مدربة على التقاط أدق التفاصيل التي قد تغيب عن أعين الآخرين، لاحظ الفوضى الطفيفة التي تعم المكتب الفاخر المصنوع من خشب الأبنوس، الكأس الزجاجي المقلوب الذي تناثرت قطرات النبيذ الأحمر منه على سجادة فارسية ثمينة ذات نقوش معقدة، ورائحة البارود الخفيفة التي لا تزال عالقة في الهواء كرائحة الموت الباردة التي ترفرف في أرجاء المكان وتنذر بشيء مظلم.
التحقيقات الأولية: شهادات متضاربة وشكوك مبكرة
بدأ حميد تحقيقاته الدقيقة بالاستماع إلى الشهود المحتملين الذين قد يكون لديهم أي معلومات مفيدة لتسليط الضوء على هذه الجريمة الغامضة. كانت زوجة الضحية، السيدة ليلى، سيدة أنيقة تجاوزت الأربعين من عمرها وترتدي ثياب الحداد السوداء التي تزيد من شحوب وجهها، تبكي بحرقة وتنهار بين الحين والآخر في حضن صديقتها المقربة، مؤكدة بصوت مخنوق بحزن عميق أنه لم يكن لديه أي عداوات ظاهرة أو خصومات معروفة قد تؤدي إلى مثل هذه النهاية المأساوية التي حلت بزوجها فجأة. أما شريكه في العمل، "السيد فريد الزياني"، رجل أعمال في منتصف الخمسينيات يبدو عليه الثراء والوجاهة، فبدا متوترًا بشكل ملحوظ وعيناه زائغتان وهو يقدم رواية مرتبكة ومليئة بالثغرات عن آخر مرة رأى فيها الضحية قبل وقوع الجريمة في مساء اليوم السابق. كما استجوب حميد بعض الموظفين المقربين من السيد القادري الذين يعملون معه منذ سنوات طويلة، لكن لم يقدم أي منهم معلومات حاسمة أو أي دليل قاطع قد يضيء طريق التحقيق المظلم الذي يواجهه حميد.
الخلافات التجارية: المنافس القوي يدخل دائرة الشبهات
تركز اهتمام حميد بشكل خاص على الخلافات التجارية الأخيرة التي تورط فيها السيد القادري قبل وفاته المفاجئة، حيث كان معروفًا بدخوله في صفقات تجارية كبيرة ومشاريع استثمارية معقدة. تبين من التحقيقات الأولية التي أجراها فريق حميد أنه كان في مفاوضات صعبة ومعقدة مع منافس قوي يدعى "السيد رشيد الريفي"، رجل أعمال طموح في بداية الأربعينيات معروف بأساليبه غير التقليدية والشرسة في إدارة أعماله وسعيه الدائم للسيطرة على حصص أكبر في السوق المحلية، حتى لو تطلب ذلك تجاوز بعض الخطوط الحمراء. استدعى حميد السيد الريفي على الفور للتحقيق معه بشكل مفصل في مقر الشرطة، لكن الأخير أنكر بشدة أي صلة له بالجريمة وأبدى استياءه من مجرد الاشتباه به، وقدم حجة غياب قوية مدعومة بشهادات من شهود وأدلة تبدو في ظاهرها مقنعة ومحصنة ضد أي اتهام مباشر.
كشف الأسرار الخفية: عملية احتيال تقود إلى الدافع
مع تقدم التحقيقات المضنية التي قادها حميد بخبرة وحنكة، بدأ في اكتشاف تفاصيل خفية وأسرار دفينة لم تكن واضحة في البداية وتكشف عن جوانب مظلمة في حياة الضحية وعلاقاته. تبين من خلال فحص دقيق لسجلاته المالية ومحادثاته الهاتفية أنه كان على وشك الكشف عن عملية احتيال مالي كبيرة ومعقدة تورط فيها أحد الأشخاص المقربين منه، شخصًا يتمتع بثقته الكاملة ويملك القدرة على الوصول إلى معلومات حساسة للغاية قد تدمر سمعته ومستقبله المهني. بدأ الشك يتسلل إلى قلب حميد المحنك الذي اعتاد على قراءة ما بين السطور بأن القاتل قد يكون شخصًا من الدائرة الداخلية للضحية، شخصًا لديه الكثير ليخسره إذا انكشف سره وتعرض للمساءلة القانونية والعقوبات الشديدة.
العودة إلى مسرح الجريمة: الخزنة السرية تكشف سرًا جديدًا
عاد حميد إلى مكتب الضحية مرة أخرى في وقت متأخر من الليل بعد أن غادر فريق الأدلة الجنائية، هذه المرة بمفرده ليتمعن في المكان بهدوء وتركيز أكبر، باحثًا عن أي دليل صغير أو تفصيل دقيق فاته في المرة الأولى وسط فوضى التحقيقات الأولية وضغط الوقت. وبينما كان يتفحص بعناية خزانة الكتب الضخمة المصنوعة من خشب الماهوجني الثمين والتي تضم مجموعة متنوعة من الكتب والمجلدات، لاحظ كتابًا موضوعًا بشكل غير منتظم بين الكتب الأخرى، وكأنه وضع على عجل أو انتزع من مكانه بسرعة. سحبه حميد ببطء ليكتشف وجود خزنة سرية مخفية خلفه، خزنة صغيرة لكنها متينة ومصممة بشكل احترافي. كانت الخزنة مفتوحة وفارغة، مما يشير بوضوح إلى أن القاتل ربما كان يبحث عن شيء مهم أو وثائق حاسمة موجودة بداخلها والتي قد تدينه أو تكشف عن دوافعه الحقيقية لارتكاب الجريمة.
تجميع الخيوط المتناثرة: الشك يتركز حول الشريك
ميع بدأ حميد في تجميع القطع المتناثرة للغز المعقد في ذهنه الحاد الذي يعمل كآلة تحليلية دقيقة. عملية الاحتيال المالية الكبيرة التي كان الضحية على وشك الكشف عنها، الخزنة السرية الفارغة التي تم العبث بها بعنف، وتوتر الشريك الملحوظ الذي لم يستطع إخفاءه بشكل كامل... كل ذلك يشير بقوة إلى وجود خائن متورط في الجريمة، خائن ينتمي إلى الدائرة المقربة للضحية ويملك دوافع قوية لإسكاته بشكل دائم قبل أن يكشف أمره ويدمره. قرر حميد وضع السيد فريد الزياني تحت مراقبة سرية ومستمرة من قبل فريق من أفضل المحققين، حيث بدت تصرفاته وردود أفعاله مريبة بشكل متزايد وتثير الشكوك العميقة حول تورطه المباشر في الجريمة.
المراقبة السرية: الدليل القاطع يظهر في التحويلات المالية
لم يمض وقت طويل حتى تمكن حميد وفريقه من الحصول على دليل قاطع يدين السيد فريد الزياني بشكل لا يقبل الشك أو التأويل. كشفت تحريات الشرطة المالية الدقيقة التي أجريت بتفويض قضائي عن وجود تحويلات مالية مشبوهة وغير مبررة بمبالغ كبيرة تم تحويلها بشكل سري ومنظمة من حسابات شركة السيد القادري إلى حساب مصرفي سري آخر يملكه السيد فريد الزياني شخصيًا في بنك خارج البلاد. واجه حميد الشريك المتورط بالحقائق والأدلة الدامغة التي تم جمعها ضده والتي لم يترك له فيها أي مجال للإنكار أو التهرب، ولم يستطع الأخير إنكار تورطه في الجريمة بعد الآن، حيث انهارت دفاعاته الواهية واعترف بفعلته الشنيعة تحت ضغط الأدلة القوية.
المواجهة والاعتراف: الشريك الخائن يكشف عن دوافعه
اعترف السيد فريد الزياني بجريمته البشعة، وكشف عن الدوافع الحقيقية التي دفعته لقتل شريكه السيد القادري بدم بارد، حيث تبين أنه كان متورطًا بعمق في عملية الاحتيال المالي الكبيرة التي كان الضحية على وشك الكشف عنها وتقديم الأدلة إلى السلطات، وقتله خوفًا من أن يكشف أمره ويدمره ويسجنه لفترة طويلة. اعترف أيضًا بأنه كان يبحث في الخزنة السرية عن وثائق تدينه وتثبت تورطه في الاحتيال المالي، لكنه لم يتمكن من العثور عليها قبل وصول الشرطة إلى مسرح الجريمة بعد تلقي البلاغ.
القبض على القاتل: العدالة تتحقق في أزقة طنجة
تم القبض على السيد فريد الزياني على الفور واقتياده إلى مركز الشرطة حيث تم التحقيق معه رسميًا قبل تقديمه للعدالة ليواجه عقوبة جريمته النكراء التي أزهقت روحًا بريئة، بينما شعرت مدينة طنجة بأكملها بالارتياح العميق بعد كشف لغز جريمة القتل الغامضة التي هزت أركانها وأثارت الرعب والقلق في قلوب سكانها. مرة أخرى، أثبت المحقق القدير حميد بناني براعته وذكائه الحاد في تتبع خيوط الجريمة المعقدة وكشف الحقيقة وإحقاق الحق في أزقة المدينة العريقة التي تحتفظ بالكثير من الأسرار والخفايا في طياتها.